مرآة البحرين (خاص): كان يجب أن تكون حالة الشهيد محمد صيّاح (1998) مثالا منذرا للسلطات الأمنية في البحرين، حول تبعات معاملتها الوحشية للسجناء السياسيين، والتي تبدأ من تعذيبهم خلال الاستجواب، وتمر بالتنكيل بهم في المعتقل، ولا تنتهي بمنعهم من العلاج، حتى لو أصيبوا بمرض السرطان داخل السجن.

رغم الإفراج عنه وإرساله إلى لندن للعلاج إثر اكتشاف إصابته بمرض السرطان، استشهد الشاب محمّد صيّاح (28 عاما) بعد حوالي 3 سنوات من اعتقاله وتعرضه للتعذيب الشديد في السجن، على خلفية انتفاضة التسعينات، وكانت وفاته حدثا جللا في جزيرة سترة آنئذٍ.

ليس ذلك غريبا على الدولة في البحرين. لقد عبّر الملك بنفسه عن أمله بأن يموت المعارض السياسي البارز حسن مشيمع بمرض السرطان في 2010 حين أمر بأن توقف الدولة تغطية علاجه عن سرطان الغدد اللمفاوية في لندن.

العام الماضي استخدم الملك ذات السلاح ضد مشيمع، الذي يقضي حكما بالسجن مدى الحياة على خلفية دوره في احتجاجات 2011. منعت سلطات السجن أدويته، إلّا أن يذهب لاستلامها مقيّدا ذليلا، ومنعته لأكثر من سنة من الذهاب للمستشفى لإجراء فحوصات السرطان.  

تدهورت صحّة مشيمع، واتّهم السلطات بأنّها تقوم بقتله ببطء. قام نجله علي بإضراب عن الطعام معتصما أمام السفارة البحرينية في لندن لأكثر من 45 يوما، محدثا ضجّة إعلامية وسياسية واسعة، فرضت ضغوطات كبيرة على السلطات التي رضخت في النهاية وأعطت مشيمع أدويته، كما نقلته للمستشفى لإجراء فحوصات مرض السرطان لأوّل مرة منذ عامين، فضلا عن تعهّدها الرّسمي للحكومة البريطانية باستمرار تقديم العلاج له.

ذات الجريمة ارتكبتها السلطات مع 3 من السجناء السياسيين العام الماضي على الأقل. تدهورت صحة المعتقل السيد كاظم عباس (23 عاما)، مع أعراض خطيرة كتراجع قدرته على الرؤية والتشنج وعدم القدرة على التنفس، لكنّه مع ذلك لم يلاق بأي رحمة.

وسط نداءات إنسانية لإنقاذه، وبعد تعرّضه لنوبة تشنّج، تم نقله للمستشفى، وقرر الطبيب حينها إجراء عملية لإزالة سوائل في رأسه كانت تضغط على عينه وتمنعها من الرؤية. بعد إخضاعه للجراحة، ومزيد من الفحوصات تبيّن أن السيد كاظم يعاني من السرطان.

أفرجت السلطات عنه عباس حين اكتشفت أن إصابته بالسرطان بلغت مرحلة متقدّمة، مرحلة الخطر الذي يهدّده بالموت. يغرق السيد كاظم في الظلام والعتمة بعد أن فقد بصره بالكامل، وهو ينتظر أن تمنحه الولايات المتحدة تأشيرة دخول للعلاج هناك.

في أحد المستشفيات التركية يتلقى معتقل آخر علاجا بالكيماوي بعدما قررت السلطات الإفراج عنه مع تقدم حالته العام الماضي أيضا. قبل اعتقاله في سبتمبر/أيلول 2014، لم يكن المفرج عنه علي قمبر (وهو أخ الشهيد عيسى قمبر) يعاني من أي أمراض. تعرض للتعذيب لانتزاع اعترافات زائفة، وخلال سجنه بدأت أعراض السرطان في الظهور عليه، بفقدانه الكثير من وزنه وفقدان مناعته. وحتى بعد أن اكتشف الأطباء إصابته بسرطان في الدماغ، بقي في السجن أكثر من عام.

أما إلياس الملّا (25 عاما)، فحتى بعد مضي 3 سنوات على تشخيص إصابته بسرطان القولون، واستئصال الورم منه جراحيا، بعد أن وصل إلى المرحلة الثالثة، تمنعه إدارة السجن من أدوية السرطان، عبر المماطلة والتجاهل، حتى اضطرت عائلته إلى اللجوء إلى شرطة النجدة لإنقاذ حياته في السجن، بعد أن اتّصل وهو يستغيث بسبب الألم.

أم إلياس، التي قاتلت من أجل ابنها طويلا، كانت قد نشرت مقالا ذكرت فيه أن القانون البحريني ينص على أنّه في حال كان معتقل ما يعاني من مرض يهدد حياته، يمكن تأجيل تنفيذ العقوبة بحقه. "يتعين على إدارة سجن جو أن تقوم بالإفراج الفوري عنه، إذا كانت مهتمة باستمراره على قيد الحياة خلاف ذلك هي لا تريد له أن يعيش".

انقضى العام 2018 ولم تطل إلياس حتى الآن نعمة الإفراج بسبب السرطان، وهو محكوم بالسجن 15 عاما، وقد قال سابقا إنّه يفضّل الموت على مذلّة العلاج. تناشد أمه بحسرة "يا ناس... لماذا يترك أبناؤنا للموت حتى يقررون الإفراج عنهم؟"

كانت الدولة ترى أن الموت هو الحق الوحيد الذي يتمتع به إلياس أو أي سجين سياسي.

فضلا عن التعذيب، والوضع النفسي المدمّر، يعيش السجناء السياسيون في البحرين في بيئة تتفشّى فيها الأمراض تحت أعين السلطات، وهو ما وصفته منظمة العفو الدولية في تحقيق خاص العام الماضي بنمط مروّع من الإهمال الطبي.

وتوفي 5 معتقلين على الأقل في السجن بسبب الإهمال الطبي المتعمّد، آخرهم الشهيد محمّد سهوان (2017).